Home > Relevant links > الكتب تبعث الحياة في’الشارع الميت’ بمدينة الناصرية العراقية

الكتب تبعث الحياة في’الشارع الميت’ بمدينة الناصرية العراقية
شارع المتنبي لم يعد وحيدا فقد وجد إخوة له في مدن أخرى كشارع الفراهيدي في البصرة، وشارع “طه باقر” في محافظة بابل وشارع الثقافة في كربلاء وشارع “دعبل الخزاعي” في النجف، و”شارع دجلة” الثقافي وسط مدينة الكوت بمحافظة واسط، وأخيرا شارع الكتاب في الناصرية الذي أعاد الحياة إلى شارع سومر الذي كان يسمى “الشارع الميت”، وأصبح سوقا تزدهر كل يوم جمعة بالكتب والقراء واللقاءات الثقافية.

العرب [نُشر في 2016/10/21، العدد: 10431، ص(20)]
الناصرية (العراق) – لوقت قريب كان شارع سومر في الناصرية أو “الشارع الميت” كما يسمونه مكانا لوقوف سيارات الأجرة واليوم تحوّل بجهود مجموعة من النشطاء الشباب وأصحاب المكتبات والمثقفين إلى واحة للثقافة.

لا يتردد محمد (26 سنة) -وهو أحد الشباب المشاركين في فعالية شارع الكتب- في حمل صناديق الكتب كل يوم جمعة مع مجموعة من أصدقائه ليكون من بين أوائل من يفترشون الرصيف لعرض كتبهم وترتيبها بشكل لائق قبل أن يزدحم الشارع برواده من عشاق الثقافة والكتاب عصرا.

محمد الحاصل على ماجستير في آداب اللغة العربية، لا يجد حرجا في بيع الكتب رغم عناء العمل وأرباحه الضئيلة، لكنه أسوة بالعديد من زملائه، يعتبره العمل الأحب إلى نفسه، بالإضافة إلى كونه أجدى من انتظار وعود الوظيفة الحكومية التي باتت شبه مستحيلة.

يقول لموقع “نقاش” أنا “أحضر كل يوم جمعة لشارع الكتب بعزيمة الداعم لأي نشاط مدني، وعزائي الوحيد في هذه الفعالية هو الأمل في أن تلهم الشباب وتمنح حياتهم معنى أكبر في مدينة أصابها العطب وسادها التردي في الكثير من مفاصل حياتها”.

الشارع الممتد بمواجهة مبنى بلدية الناصرية في مركز المدينة لم تقتصر الفعاليات فيه على بيع الكتب العربية والإنكليزية، إنما أتيحت للأدباء والكتّاب فرصة عقد لقاءات مثمرة وتوقيع إصداراتهم الجديدة وجذب القراء، إضافة إلى تحفيز الفنانين على تقديم فعاليات متنوعة أمام الجمهور.

ابحث عن مبتغاك
ويقول ياسر براك رئيس اتحاد الأدباء في ذي قار “نسعى إلى أن يكون افتتاح شارع الكتب في الناصرية فاتحة خير لنشاطات ثقافية تتميز بها هذه المدينة خصوصا أنها مدينة ثقافية، وأشد على أيادي من ساهموا في إنجاح هذا الحلم ونقله إلى الواقع”.

وأضاف براك “على المؤسسات الحكومية وفي مقدمتها بلدية الناصرية أن تلتفت إلى هذا المشروع الذي يعكس وجها ثقافيا مهما للمدينة يؤكد هويتها باعتبارها مدينة منتجة للثقافة والفن والأدب”.

علي كاظم صاحب مكتبة “علي” وأحد المشاركين في فعالية شارع الكتب، يعول كثيرا على إعادة تسويق الكتاب في مجال عام بدل بقائه حبيس جدران المكتبة الأربعة، ويقول “وجودنا كأصحاب مكتبات عنصر أساسي في ديمومة ونجاح هذه الفعالية، أصبحنا الآن في وضعية تماس مباشر مع جمهور القراء وهو ما يضعنا أمام مسؤولية ثقافية قوامها تفعيل القراءة وإعادة الاعتبار لها في ظل عزوف الشباب عنها تحت مؤثرات عدة”.

شارع الكتب في الناصرية الذي يأمل جمهوره أن يكون على غرار شارع المتنبي في بغداد والفراهيدي في البصرة، أضحى اليوم أمرا واقعا ومحفزا لمدن أخرى (كمحافظات واسط وبابل والديوانية) سارعت إلى الخطو خطوات مماثلة، فيما بدت استجابة الحكومة المحلية محدودة إذ اقتصرت على تأمين المكان الذي تقام فيه الفعالية ومنع دخول المركبات وتوفير الإنارة.

ويقول رئيس مجلس قضاء الناصرية، جليل الطالقاني، حول افتتاح المكتبات في شارع الكتب، إن “مشروع شارع الكتب في الناصرية من المشاريع المهمة التي تعزز جانب الوعي والثقافة لدى أبناء الناصرية ونحن داعمون لهذا المشروع”، مشيرا إلى أن “هناك موافقات رسمية لشارع الكتب لوجود البعض من المكتبات التي سوف تكون دائما في شكل أكشاك، وهذه المكتبات تحتاج إلى موافقة رسمية”.

ويقول عمار خضير أحد منظمي هذه الفعالية، “إن هذه المبادرة جاءت لإحياء روح الثقافة من خلال القيام بالعديد من الأنشطة الثقافية والفنية”، مشيرا إلى أن سوق الكتاب ستكون ملاذا أسبوعيا لجميع القراء مع التوسع المتوقع خلال الفترة المقبلة من خلال مشاركة موسّعة من أصحاب المكتبات.

وأضاف خضير أن المكان الذي تم اختياره لهذه السوق وسط مدينة الناصرية سيدعم هذه الفكرة مع وجود حديقة مجاورة يمكن إقامة العديد من الأنشطة الثقافية والفنية فيها.

تاجر كتب: عزائي الوحيد في بيع الكتب هو أمل أن تلهم الشباب وتمنح حياتهم معنى جديرا بالإخلاص له في مدينة أصابها العطب
لجنة الثقافة والإعلام في مجلس المحافظة عقدت اجتماعا ضم نخبة من المثقفين والفنانين والإعلاميين لتدارس سبل دعم المشروع وتقديم التسهيلات الممكنة له.

وأكد رئيس اللجنة حسن الوائلي على “أن المشاريع الثقافية في المحافظة بشكل عام تعاني من نقص التمويل الذي يعرقل تنفيذ الكثير من المقترحات والأفكار”.

في المقابل يرى بعض المراقبين أن محافظة ذي قار تعاني من سوء التخطيط أكثر مما تعاني من نقص الأموال. ويعتبر أنور فاضل، أحد النشطاء، أن حكومة ذي قار ليست معنية بدعم الثقافة، لكنها لا تدخر جهدا في تقديم الدعم لفعاليات أخرى لمجرد أنها تابعة لجهات ذات تأثير ونفوذ.

ويقول “شارع الثقافة بقدر ما أضاف ملمحا جماليا وحضاريا لمدينة الناصرية، كشف في الوقت ذاته عن عيوبها، فهناك تمدد فوضوي لأصحاب البسطات والباعة في أهم شوارع المدينة وساحاتها العامة جراء الإهمال الحكومي وسوء التخطيط والفشل في استثمار إمكانيات المدينة”.

تعزيز علاقة المواطن بالكتاب

ويخشى فاضل خفوت هذه الفعالية لعدم توفر الدعم، متسائلا “أليس من الأجدر استثمار هذه الفعالية الثقافية وتنميتها بالتزامن مع شمول ثلاثة مواقع أثرية وثقافية في المحافظة بالحماية من قبل اليونسكو في شهر يوليو الماضي؟”.

ورغم ذلك فإن الفعالية مستمرة حتى الآن والغالبية العظمى من أصحاب المكتبات التي يناهز عددها العشرين مكتبة يواصلون حضورهم، كما أن هناك مكتبة للطفل يتولى مسؤولية البيع فيها طفل صغير لجذب أقرانه.

وتشعر أسماء الزهيري، طالبة لغة إنكليزية في المرحلة الأولى بجامعة ذي قار، بالسعادة عندما تحضر مع والدها إلى شارع الكتب بشكل متواصل بحثا عن قصص ومسرحيات عالمية باللغة الإنكليزية تحتاجها في دراستها.

وتقول “عزز ذلك علاقتي بالثقافة والكتاب خارج الإطار الأكاديمي، لكن الشيء الأجمل هو وجود الأطفال بصحبة ذويهم. ربما آن الأوان ليتعود أطفالنا على رؤية الكتب والتعاطي معها في مجتمع بات بفعل الحروب والصراعات منذورا للعنف والكراهية”.

واستحثت هذه التظاهرة فعاليات أخرى، إذ يقدم البعض من العازفين الشباب وصلات موسيقية، إضافة إلى إقامة معارض للصور الفوتوغرافية واللوحات التشكيلية، وشروع البعض من الفنانين التشكيليين في إقامة ورش صغيرة لتعليم الأطفال فن الرسم.

ولا يتوقع النشطاء المشاركون في فعالية الشارع أن تكون لجميع المساهمين غايات متماثلة، إذ من بينهم من يأمل في كسب مادي معقول جراء بيع الكتب.

قلق أصحاب المكتبات

في حين تعالت شكاوى بعض أصحاب المكتبات من منافسيهم “الطارئين” على المهنة. يقول غسان البرهان صاحب مكتبة آمارجي “مع انحيازنا التام لهذا المشروع الذي يمكن أن يعزز مكانة الثقافة في المحافظة، نرى أن هناك من لا يلتزم بأخلاقيات العمل ويعرض بضاعته بأسعار أقل مما هو معمول به، ما يتسبب في إحراج الباعة الآخرين وإلحاق الضرر بهم”.

فنون وعلوم
ويؤكد، أنه “أمام هذا العدد من المكتبات التي تعرض بضاعتها في مكان واحد، ستكون الأرباح متدنية في مدينة غالبية قرائها من أصحاب الدخل المحدود”.

وبرغم المنافسة والمعوقات يرى د. سعيد الجعفر -الأكاديمي بجامعة ذي قار- أن هذه الفعالية خطوة مهمة وذات تأثير كبير في اهتمامات الشبان وذائقتهم، بفضل طبيعة اللقاءات التي تحصل وإمكانية أن تؤثر هذه الفعالية فيهم وتحفز اهتماماتهم. وفي كل أسبوع يتنوع رواد الشارع وزواره، كما تتنوع فعالياته، إذ أقامت “منظمة المعقل الثقافية” فعالية تشجيعية اسمها “جائزتك كتابك” وتتلخص في طرح سؤال ثقافي على شخص من بين الحضور مقابل منحه كتابا إذا تمكن من تقديم الإجابة الصحيحة.

عدي شبيب، صاحب “مكتبة المعرفة”، وهي إحدى المكتبات الكبرى في الناصرية، يواصل دعمه للفعالية وتمنى لو كان هناك تنسيق أكبر مع المعنيين بتنظيمها. ويقول: “أصبح لدينا جمهور غفير من القراء الذين يأتون من مختلف مناطق المحافظة، وزبائن لم نعهدهم في مكتباتنا سابقا، ومعظمهم من الشباب وطلبة الكليات”.

وبعد إطلاق صفحة إلكترونية على الفيسبوك باسم شارع الكتب، أصدر مركز الجنوب للدراسات في سياق دعمه للفعالية نشرة صحافية أسبوعية تعنى بأخبار شارع الثقافة والفعاليات المرافقة له.

يقول الإعلامي حيدر الحجامي المشرف على تحرير الصحيفة، “تعزز مبادرتنا بإصدار مطبوع صغير باسم الشارع هذه التجربة عبر خلق صوت لها، فمن شأن هذه الفعالية أن تخلق ما يسمى بجمهرة الثقافة خارج إطار الصالونات الأدبية والقاعات الثقافية المغلقة”.

ويبقى السؤال مطروحا عن ديمومة واستمرار ظاهرة شوارع الثقافة في المحافظات الجنوبية في ظل ظروف سياسية واقتصادية صعبة جدا.