Home > Relevant links > أمة في خطر : تأملات لحال ومستقبل التعليم، التربية والثقافة في العراق

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن تقييم حال ومستقبل التربية ، التعليم والثقافة في العراق أضحى مسألة جد حيوية ينتظرها كل عراقي وطني غيور على مصلحة ومستقبل بلاده

من أجل بث وتنشيط الروح المعنوية – الفكرية –التعليمية – العلمية –والثقافية التي تواكب بناء عراق يستحق لقب “بلد الحضارات الاصلية”. أمة في خطر شعار تردّد كثيراّ مصدره الولايات المتحدة الاميركية ولكنها تنطبق على أوضاع التعليم في بلاد العالم من غربه إلى شرقه وليس العراق بمنأى عنه.

إذ وبالرغم من مرور أكثر من 35 عاماً على تصريح دقيق وواقعي ثاقب للرئيس الأميركي رونالد ريغان أشار فيه إلى أن مايعرف بالنظام التعليمي الاميركي المتنوع المضمون والابعاد ، غير المركزي في سماته فدراليا- إداريا مغطياً مساحات جغرافية واسعة للولايات الخمسين الاميركية ينتابه عدداً من التحديات (السياسية – الإدارية – المالية- وغيرها) القابلة للحل و للإصلاح وإن يكن ذلك بصعوبة بالغة نسبياً . 

“أمة في خطر” عند الإعلان عنها غطت على الأقل 3 شؤون مهمة في النظام التعليمي الأميركي : 

أولاً : استمرار المستويات المتدنية للتعليم بشكل عام ،

ثانياً: فقدان البوصلة التي تعنى برسم مستقبل وأهداف ستراتيجية سياسة التعليم ، 

ثالثاً: سوء إستخدام الموارد الكبيرة التي تزخر بها الولايات المتحدة الاميركية على النظام التعليمي . من المناسب الإشارة ، إلا أنه مع الفارق والقياس في المقارنة صحيح يعد العراق ليس دولة من الطراز التقني المتقدم جدا إذ لا يمكن مقارنتها بالولايات المتحدة الاميركية أو أية دولة أخرى متقدمة علمياً وتقنياً في أوروبا(المانيا ، فرنسا ، المملكة المتحدة) أو في آسيا مثل الصين والهند أو في جنوب شرقي آسيا مثل ماليزيا وأندونيسيا والنمور الأخرى مثل كوريا الجنوبية دول نجحت في تحقيق إبداعات علمية –تقنية إنعكست تنموياً على شعوبها ودولها ولكنه (حتى وقت قريب نسبياً على الاقل قبل الثمانينيات أي قبل الولوج في حروب عبثية مدمرة ) بلد يزخر بإمكانات بشرية فعلية أو كامنة متخصصة (كثير منها عقول مهاجرة مبدعة لن تعود في مجملها إلا إذا توفرت لها شروط مناسبة حياتياً ومهنياً). واقع الحال يقول إنه يفترض منذ 2003 (الاحتلال الامريكي وإنهيار النظام السابق ) أن يتم بناء وتعزيز النظام التعليمي بالعراق بموارد بشرية عالية التخصص ، ومن خلال موارد مادية “مالية” حيوية مهمة وصلت إلى حدود لاتمتلكها دول كثيرة في العالم (ماينيف عن 1000 مليار دولار سنويا ) في مجملها تأتي من عوائد نفطية ضخمة بكل المقاييس . 

أمر ترتب عليه ضرورة تخصيص جزء حيوي مهم منها للتنمية البشرية التي تتطلب إنفاقا حيويا على التعليم ، التربية والثقافة بنسبة تصل إلى أكثر من 1% من الناتج القومي الاجمالي . إن مدارسنا ومؤسساتنا العلمية والتربوية لاتزال تفتقد للكثير من المضمون والشكل المؤسسي للدولة الحديثة بالتواز مع تقلص ونقص حاد في مساحات السلامة للبنى التحتية من ضمنها فقدان البنى والهياكل المناسبة للمؤسسات التعليمية في مختلف مراحل التعليم وصولا إلى مرحلة التعليم الجامعي. 

بمعنى من المعاني نحتاج إلى ستراتيجية شاملة الأبعاد ، المظاهر وفاعلة في التأثير من أجل تلبية إحتياجات الداخل المتصاعدة لشعبنا خاصة الطبقات والفئات المحرومة والفقيرة ، أي أولئك الذين يعيشون وعوائلهم حالة من التخلف الشديد المجتمعي – الاقتصادي مايستدعي رسم طرق متجددة مع توفر خبرات متخصصة مجدية من القطاعين العام والخاص تأخذ بالاعتبار الحالة الاستثنائية التي مر ويمر بها العراق منذ 2003 لحد كتابة المقال. حاضر نؤمل أن يستوعب من جهة دروس الماضي الأليم من أجل بناء مستقبل عراقي زاهر يقوم عليه أبنائه سواءً ممن هم في داخل العراق حالياً أو من منهم في خارجه ولكن العراق بأمس الحاجة إليهم من أجل تجاوز مرحلة شديدة التعقيد ، الصعوبة والخطورة يشهدها العراق يمكن تعريفها ب:”امة في خطر” ولكن أي خطر؟ إنه خطر داهم شمولي تداعياته لاتقع ضمن الحدود الوطنية بل وتتجاوزه أي “عابرة لها” من ابرزها سوء إدارة ملف التعليم الذي يحتاج لإصلاحات جذرية نوعية على مختلف مستويات التعليم والبحث العلمي . 

إن إعادة تدوير عقول متخلّفة في منهج حياتها وسلوكها لإدارة ملف التعليم والتربية والثقافة مسألة لايمكن أن نتوقع منها خيراً كثيراً خاصة وإن بعضاً من المسؤولين سبق وأن تسنّم مواقع مهمة من المسؤولية الوطنية لتدبر الملف التعليمي –العلمي – الثقافي . 

من هنا ، أهمية بل ضرورة الاعتناء بالتربية والتعليم والثقافة (ثلاثي مهم تتكامل حلقاته) على كافة المراحل التدريسية والحياتية من أجل بناء الانسان السليم المحصن من كافة امراض التخلف الاجتماعي – الاقتصادي – والثقافي والسياسي . 

إن نجاح التربية والتعليم والثقافة شكلا ومضمونا مسألة تحتاج لتعبئة لكل الجهود والخبرات الخيرة المتخصصة من كافة شرائح المجتمع العراقي والعمل من ثم على إنخراطها في مسار تنموي – إنساني مستدام هدفه تحقيق أهداف الالفية الثالثة بصورة نوعية عالية الجودة كي توصل رسالة واضحة للعالم المتقدم مفادها أن العراق بلد من الممكن أن يكون منتجا ومبدعا وليس مستهلكا فقط لمنتجات الاخرين، بلد معرفي – أصيل يملك كنزاً أو خزيناً من الخبرات العلمية الابداعية يستطيع معها التكييف أو التأقلم مع روح العصر ومقتضياته في شتى شؤون وميادين الحياة العامة بسرعة مناسبة . إجتماع رئيس الجمهورية العراقية الدكتور برهم صالح ببعض منهم هو جزء يسير من أهمية وضع ستراتيجية ثلاثية الابعاد (تعليمياً/علمياً /تقنياً –تربوياً – ثقافياً). هذا ويمكن للعراق أيضاً الاستفادة من بعض دروس التاريخ المجيد ساعيا بأتجاه إنهاء كل حالات التخلف والتقاليد البالية والانطلاق إلى الامام في بناء أمة عراقية وطنية متماسكة وواعية لكل المخاطر الراهنة والمستقبلية . أمة في خطر تعني أن المخاطر الداخلية والخارجية التي تحيق ببلدنا قد تبعده إن لم تكن أبعدته فعليا عن محاولات التخطيط السليم أو المواتي لبيئتنا الثقافية ،العلمية والتعليمية العراقية أو التي تأتي إستجابة لإوضاعنا وقيمنا العربية – الاسلامية التي عرفت تلاقح والتقاء الحضارات الانسانية المتنوعة عبر التاريخ . أؤمن بإن بلدنا العراق دون علم نافع وتعليم وثقافة وتربية سليمة بلد آيل للسقوط فعليا وليس مجرد بلد يقف عند حافة الهاوية . 

من هنا، يجب أن نعترف بإننا نعيش فعلياً واقعاً مآساوياً إنسانياً وتنموياً تراكمت سلبياته كثيراً كنتيجة طبيعية لتراكم الحروب والحصار مضافا إليها التبعات والتداعيات الثقيلة لنظام المحاصصة الذي تجذرت تقليدا بل وحتى دستورياً منعكسة سلبا على التجانس المجتمعي والسلم الاهلي ما يقتضي إصلاحا حقيقيا لمناهج التربية والتعليم والثقافة من خلال الاستعانة بخبرات وطنية متخصصة على دربة ودراية في شؤون التعليم والتربية والثقافة . لست بالمطلق مع كل حالة تشاؤم ولا أجد نفسي بين المتشائمين الذين وصلوا لمرحلة لا يمكن معها التفكير “خارج الصندوق” بحلول ناجعة نابعة عن فكر منفتح على علوم وثقافات الاخرين. أجد أن الامر ليس مستحيلا بإن يحدث مثل هذا التغيير النوعي بشرط أن يتم وفق معايير محددة وبصورة تدرجية تراكمية ضمن فواصل زمنية منتظمة. نحن لسنا مسيرون بل مخيريين في إتخاذ قراراتنا التي لاتزال تنقصها الارادة السياسية القوية الحازمة للتغيير الايجابي.

إن “إزالة الجدران الكونكريتية” مسألة غاية في الاهمية وتتم حالياً كل يوم معززة حالة التواصل المجتمعي الذي عاشه العراق في مراحل مختلفة من تاريخه السياسي الحديث ولكن المجدي حقا أن يتم ذلك دون إغفال لوقائع سلبية تنتاب نظامنا التعليمي والتربوي والثقافي وهي بحاجة للمعالجة. أمر ولاشك حيوي يحتاج لتعبئة مختلف أنواع الطاقات العلمية مع تفعيل أساسي لإرادات عراقية وطنية كي تنهض ولو بجزء بسيط من واقع لازال مريراً خلفته سنوات طويلة من تراكمات الحروب والحصار والسياسات الاقتصادية العراقية التي أضعفت الاقتصاد العراقي الذي يمتلك اصلا موارد مالية ضخمة يمكن توظيفها لتنمية قطاعات زراعية وصناعية وخدمية يمكنها إن أحسن استغلالها أن تؤسس لبناء نظام عام تعليمي شمولي – أستراتيجي الابعاد يفسح للجميع فرصا حرة متكافئة ترفد عملية التنمية الانسانية الشاملة في ابعادها ومظاهرها وتداعياتها المختلفة. من الامور التي تحتاج للتدبر ولإتخاذ قرارات صائبة توصل العراق إلى بر الأمن – الامان والاستقرار تحجيم ظاهرة أنتشار العسكرة في المجتمع العراقي من خلال استمرار أداء بعض الميليشيات الخارجة عن طوق القانون سلوكيات أقل مايقال عنها إنها بعيدة كل البعد عن الحس الوطني أو الشعور الإنساني أو بعيدة حتى عن حكم الضمير الحي. علماً بأن حربنا المجيدة ضد الارهاب من خلال دور الحشد الشعبي االجليل الذي قاتل قتالا باسلا منهيا إحتلال داعش لأكثر من ثلث اراض العراق قد وفر مساحة مهمة من الوقت لتعزيز السلم والامن ما جعل الانظار الرسمية تتجه للتعامل معه بجدية قد تبلوره في نهاية المطاف بصورة نموذج صالح لعملية بناء العراق الجديد.

إن الانتهاء من وجود سلاح منفلت وجماعات غير منضبطة مسألة لابد من الانتهاء منها سريعا بغية إنجاز متطلبات الدولة المدنية التي ستمكن العراق من أن يحصل على قطاع تعليمي -تربوي –ثقافي قوي الشكيمة مدعما بحصة حيوية من عوائد الدولة تؤدي إلى رفع حقيقي لمستوى وجودة التعليم والتربية والثقافة في العراق. ولاشك أن دور مكتب العراق التابع لمنظمة اليونسكو يعد حيويا (إلى جانب إتفاقات أقليمية ودولية عقدها العراق) وفاعلا في تأسيس نوعية عالية من مؤسسات التربية والتعليم والثقافة في عراق لازال يعاني من سوء للتخطيط ومن عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب ومن إغفال لبناء ستراتيجية متكاملة . لايمكن لنظام علمي معرفي تعليمي تربوي ان ينجح أو يحقق أي إنجازذا معنى بلد تستفحل فيه الامية والجهل ما يعني بالضرورة حالة من حالات الانهيارات المادية والمعنوية المستدامة نسبيا والتي تأخر مسيرة البناء القويم الموحد . وضع كهذا ومنذ 2003 وحتى الان اوقع العراق في آتون الفساد المستشري من أعلى سلم الهرم الوظيفي إلى أدناه ما انعكس سلبا على مؤسسات التعليم والتربية والثقافة والبيئة “إلا ما رحم ربي” في بلد يستوجب القضاء عليه كلياً أو على الأقل التخفيف من آثاره الخطيرة. ولعل من المناسب أخيراً عدم تناسي إخفاق مؤسسات التعليم والبحث العلمي في استقطاب الكفاءات العلمية العراقية يقابله إخفاق كبير جداً في استقطاب موارد بلدنا من طلبتنا النجباء خريجي الجامعات إلى سوق العمل العراقي المناسب لإحتياجات بلدنا الذي لابد من أن ينجزمستقبلاً استقلالاً حقيقياً في كل مجالات الحياة بصورة تجعله مصدر فخر وعز ونموذجا حياً يحسن الافادة منه كلما أمكن ذلك.

https://almadapaper.net/view.php?cat=220082