Home > Democracy > رسالة مفتوحة الى رئيس جمهورية العراق
 

 

رسالة مفتوحة الى رئيس جمهورية العراق

 

 

تحية طيبة … وبعد :

الرسالة التي وجهتموها الى الشعب العراقي يوم السبت الموافق 16/نيسان/2016 جاءت على أثر الإنقسام الذي حصل داخل مجلس النواب بين النواب المعتصمين والآخرين الذين لم يشاركوهم الموقف بشأن إقالة هيئة رئاسة المجلس .

لانروم في هذه الرسالة مناقشة قانونية الإقالة من قبل النواب المعتصمين , ما نود التطرق اليه هو موضوع هام وحساس إتسمت به العملية السياسية منذ عام 2003 وأخذ طريقه الى التطبيق من قبل الكتل السياسية المهيمنة على المشهد السياسي منذ العام المذكور .

تضمنت رسالتكم يا فخامة الرئيس , دعوة جميع النواب والقوى السياسية الى الإحتكام للحوار البنّاء وتغليب مصلحة البلاد وقد جاء في الرسالة ان ” من الضروري أن نمضي جميعاً وعبر أجهزة الدولة في برنامج إصلاح شامل يساعد على انهاء مبدأ المحاصصة الحزبية في إدارة جميع دوائر الدولة والهيئات المستقلة والسلك الدبلوماسي والعسكري والأمني مع حفظ توازن المكونات التي حددها الدستور والقضاء على الفساد ومحاكمة المفسدين بعدالة واستعادة الحقوق العامة . ”

معظم العراقيون ان لم نقل جميعهم يقدرون هذا النداء الذي ينطلق من الواجب الذي يفرضه الدستور على رئيس الجمهورية بوصفه رئيساً للدولة ورمز وحدة الوطن والذي يمثل سيادة البلاد ويسهر على ضمان الإلتزام بالدستور (م/67 من الدستور) .

مارست الأحزاب السياسية المهيمنة على المشهد السياسي والمشاركة في السلطتين التشريعية والتنفيذية نهج , – وليس نظام – المحاصصة الحزبية بحجة إنها تمثل مكونات طائفية وإثنية وان الدستور سندها في هذا النهج لأنها تمثل مكونات الشعب العراقي وهو ادعاء يتعارض وروح الدستور ويهدم مبدأ أساسياً من مبادئ حقوق الانسان تبنته معظم دساتير الدول الديمقراطية ومنها دستور العراق وهو مساواة المواطنين أمام القانون .

ما نود أن نناقشكم فيه هي الجملة التي وردت في رسالتكم آنفة الذكر وهي : ” … مع حفظ توازن المكونات التي حددها الدستور …الخ “.

ماهو فهمكم لهذه الجملة ؟ وهل قصدتم بمفردة (المكونات) الطوائف الدينية بمذاهبها المتنوعة والقوميات التي يتكون منها الشعب العراقي وهذه الأخيرة (القومية) تتوزع بين الطوائف الدينية ؟

وردت مفردة (المكونات) في أربعة مواد في الدستور يضاف الى ذلك ورودها مرتين في ديباجة الدستور. أهم المواد التي أشارت الى المكونات هي المادة (9) من الدستور التي جاء فيها الآتي :

( أ – تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي بما يراعي توازنها وتماثلها ودون تمييز أو اقصاء , وتخضع لقيادة السلطة المدنية , وتدافع عن العراق ولا تكون أداةً لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السايسية , ولا دور لها في تداول السلطة . )

لقد وجدت الأحزاب والكتل السياسية المتنفذه في العراق في عبارة (حفظ توازن المكونات) سنداً ومبرراً لنهج المحاصصة الذي اعتمدته في الإستحواذ على قيادات الجيش العراقي والقوى الأمنية والمواقع الأخرى في السلطة التنفيذية والهيئات المستقلة في دوائر ومؤسسات الدولة وعلى كافة المستويات مدعية انها تمثل المكون الشيعي والسني والكردي . ووجد هذا التقسيم المحاصصي طريقة للسلطة التشريعية حيث إنعكس على تشكيل هيئة رئاسة مجلس النواب واللجان الدائمة فيه والمستشارين والدرجات الوظيفية العليا في ديوان المجلس .

أثبتت تجربة السنوات الثلاثة عشرة المنصرمة ان حكومة (الشراكة) أو (التوافق) التي تدعوا لها أحزاب السلطة بحجة حفظ التوازنات ماهي الا إقتسام المغانم والمواقع فيما بينها , ليس على مستوى الحكومة الاتحادية فقط وإنما على مستوى الإقليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم .

هذه السياسة التي اعتمدتها أحزاب السلطة بعد عام 2003 وكما هو واضح لكل ذي بصر وبصيرة هي التي فرقت الشعب وعملت على تفكيك نسيجه الإجتماعي , لقد كانت سبباً للفرقة بين أبناء الشعب الواحد وأخلت بمفهوم التوازن , وجعلت أبناء الشعب يبتعدون يوماً بعد آخر عن الحكومة ومجلس النواب الذي تحكمت فيه قيادات الكتل المحاصصية .

هل ان (حفظ التوازن) يا فخامة الرئيس , تعني ان توزّع رئاسات السلطات الثلاث والوزارات والهيئات المستقلة ووكلاء الوزارات والمستشارين والمدراء العامين والمواقع الرئيسة في المحافظات على أسس المحاصصة النفعية ؟ هل ان حفظ التوازن أن يكون لكل وزير ثلاث وكلاء (شيعي, سني, كردي) وبتوزيع مماثل للمواقع الأخرى؟ هل ان حفظ التوازن ان نخدع مواطنينا حينما تعلن مؤسسات الدولة والهيئات المستقلة عن حاجتها الى موظفين من ذوي الخبرة والمؤهلات لإشغال وظائف شاغرة ويتقدم المواطنون بطلباتهم وكلهم امل بحصولهم على فرص عمل ثم يفاجئون بان هذه الوظائف وزعت بين الأحزاب والكتل السياسية المتنفذة على أساس الحصص ؟

الا يتعارض قرار مجلس الوزراء في الحكومة السابقة بتشكيل لجنة سميت بـ (لجنة التوازن) تتولى توزيع وظائف الدرجات العليا في الدولة على أساس المحاصصة ؟ الا تتعارض كل هذه الحالات مع المادة (16) من الدستور التي نصت على تكافؤ الفرص لجميع العراقيين ؟

يكفي يا فخامة الرئيس أن تعملوا جرداً بالعدد الهائل للموظفين العاملين في رئاسة الجمهورية والأمانة العامة لمجلس الوزراء لتتضح لكم ماهي أسس التعيين لمعظم الموظفين؟ هل ساعدت هذه التعيينات التي تمت بناء على العلاقات الأُسرية والحزبية على حفظ التوازن ؟

هل ان تعيين نواب لرئيس الجمهورية ونواب لرئيس الوزراء بحجة تمثليهم للمكونات ساعد على تحقيق التوازن وإستقرار البلاد وإذا كان الأمر كذلك فهل ان إعفاء هؤلاء كما حصل فعلا قد أدى الى الإخلال  ( بالتوازن ) وهل تأثر الواقع السياسي والاجتماعي للعراق بهذا الإعفاء ؟ بماكننا ان نضرب لكم امثلة كثيرة من الواقع الفاسد الذي إصطبغت به الوظيفة العامة في البلاد من غير فساد المقاولات والمناقصات .

هذا النهج المحاصصي واقع فاضح لكل من يدعوا اليه إذ اكتوى به المواطن العراقي من مختلف الأديان والمذاهب والقوميات . هذا المواطن الذي سُدت بوجهه الفرص رغم تمتعه بمؤهلات علمية ومهنية لا تتوفر عند أغلب من تم اختيارهم بحجج المحاصصة والتوازن .

ان (التوازن) وكذلك (الشراكة) التي يستند لها طلاب المناصب والمنافع غير المشروعة , تعني في حقيقة الأمر وفق مفهوم دستوري ووطني التوافق على الثوابت الوطنية التي ينبغي أن تكون منهجاً لعمل سلطات الدولة ولا تعني المناصب والمغانم .

ان التوازن يعني التوزيع العادل للثروة الوطنية وإتاحة الفرص لجميع المواطنين بمختلف انتماءاتهم الدينية والقومية .

ان حفظ التوازن يا فخامة الرئيس , يتحقق ليس بإشغال الوظائف العليا في الدولة على أسس المحاصصة النفعية للكتل المهيمنة على السلطة بل يتحقق بإجراءات قانونية تتناول الجوانب التشريعية والتنفيذية والقضائية وهذا هو الفهم الوطني لدستور عام 2005 ونسوق الأمثلة التالية دليلاً على ذلك :

أولاً- التوازن على المستوى التشريعي .

نص الدستور في المادة (1) على ان ” جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة , نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) وديمقراطي , وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق .”

فالعراق وفقاً لهذا النص دولة إتحادية تتكون من الناحية الإدارية من سلطات إتحادية وأقاليم ومحافظات غير منتظمة باقليم , وبهدف المحافظة على التوازن والمشاركة في التشريعات والقرارات المهمة على مستوى البلاد فقد نص الدستور في الجانب التشريعي على تشكيل مجلس النواب الذي يتكون من نائب واحد لكل (100) مائة الف نسمة من العراقيين بمختلف إنتماءاتهم الدينية والقومية ولم يحدد الدستور هذا العدد المطلوب من السكان لكل مقعد نيابي بطائفة دينية أو قومية معينة , وزيادة في حفظ التوازن بين المركز من جهة والأقاليم والمحافظات من جهة أخرى فقد نص في المادة (65) منه على تشكيل مجلس تشريعي آخر الى جانب مجلس النواب هو (مجلس الاتحاد) الذي يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات لكي يتحقق التوازن في القرارات التشريعية وعدم حصرها بمجلس النواب فقط , من المعروف ان السلطة التشريعية في الدول البرلمانية تضم مجلسين هما مجلس النواب ومجلس آخر باسم مجلس الشيوخ أو بتسمية أخرى , والفلسفة من وجود هذا المجلس الثاني أو الغرفة الثانية في السلطة التشريعية هو المشاركة مع مجلس النواب في الجانب التشريعي وعدم انفراده بسن القوانين حيث يكون للأقاليم والمحافظات دور في ذلك . يضاف الى ذلك ولتحقيق نفس الأهداف – المشاركة والتوازن – اعطى الدستور للمحافظة الواحدة الحق في التحول الى إقليم أو تشكيل اقليم من عدة محافظات .

ثانياً – التوازن على المستوى القضائي .

وهذا التوازن يتمثل بتوزيع الإختصاصات القضائية من خلال تشكيل محاكم إتحادية ومحاكم محلية في الإقليم والمحافظات وكذلك تشكيل محكمة اتحادية عليا يشمل إختصاصها التشكيلات الإدارية للدولة من المركز والاقاليم والمحافظات .

ثالثاً – التوازن على المستوى التنفيذي .

1 – لغرض إتاحة الفرص أمام جميع المواطنين بغض النظر عن إنتماءاتهم الدينية والقومية في الحصول على فرص العمل . فقد نص الدستور في المادة (107) على تشكيل مجلس الخدمة العامة الإتحادي ليتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الإتحادي بما فيها التعيين والترقية. وتنفيذاً لهذا النص شُرع قانون مجلس الخدمة العامة الإتحادي عام 2009, إلا انه لم يُفعّل لحد هذا اليوم بسبب إختلاف الأحزاب المهيمنة على السلطة في الإستحواذ على مناصب ادارة هذا المجلس .

2 – يتحقق التوازن كذلك من خلال توزيع الواردات الإتحادية على الأقاليم والمحافظات بشكل عادل وفق معايير منصفة تأخذ بعين الإعتبار عدد السكان ومستويات التنمية والفقر وغيرها , وهذا ما تضمنته المادة (106) من الدستور التي نصت على تأسيس هيئة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الإتحادية تتكون من خبراء في الحكومة الإتحادية والأقاليم والمحافظات وممثلين عنها تضطلع بمسؤوليات حددها الدستور بالمادة المذكورة .

ان الفهم السياسي لمفردة (المكون) ينصرف الى المكونات السياسية التي تمثلها الأحزاب والكتل السياسية وليس الى الطائفة أو القومية .

لقد أثبتت تجربة السنوات المنصرمة الأهداف وراء تمسك الأحزاب المشاركة في السلطة بالمفهوم الطائفي والاثني لمفردة (المكون) وهي أهداف نفعية بعيدة كلياً عن الأهداف الوطنية .

ان (التوازن) يا فخامة الرئيس , يتمثل بمنظومة متكاملة من الإجراءات القانونية وليس بإجراءات شكلية كما كان يعتمدها النظام السابق . ولا بانشاء مراكز قوى ولا تسويات سياسية أو مساومات مشبوهة أو إصدار بيانات فاشلة لا يكتب لها النجاح .

ان النظرة النفعية وقصر النظر عند البعض لمفردة (المكون) و (التوازن) والإصرار على التمادي في هذا الفهم والاستهانة بالصوت الوطني المخلص الذي يربط مفاهيم هذه المفردات بالمصلحة الوطنية العليا التي تعلوا على الطائفية والقومية هو الذي أدى الى وصول العملية السياسية في العراق الى مرحلة خطيرة ان لم نقل فشلها . وكان من نتائج ذلك اقتحام المتظاهرين يوم السبت الموافق  30 نيسان 2016 م  للمنطقة الخضراء ومجلس النواب .

إن ما درجت عليه الأحزاب المشاركة في السلطة منذ عام  2003م بتوزيع المناصب الوزارية والهيئات المستقلة وقيادات الدولة الأخرى على اساس (نظام نقاط) ابتدعته بحجة الإستحقاق الإنتخابي وبدافع الحصول على المنافع الحزبية والشخصية , أثبتت الأيام سوء نتائجه التي تمثلت بالفساد الذي استشرى في جسد الدولة والإبتعاد عن القيم الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية .

ان تقدم البلاد كخطوة أولى مرهون بتولي عناصر وطنية ومهنية نزيهة للوزارات والمواقع القيادية الأخرى يتم اختيارها وفق ضوابط تبتعد عن معيار الطائفة والقومية وبخلافه سوف لا تسير القاطرة على السكة السليمة .

ان توقيعكم يا فخامة الرئيس , مع بعض قادة الكتل السياسية في قصر السلام على وثيقة أطلق عليها (وثيقة الشرف) مثلت صدمة لجماهير الشعب الغاضبة التي تطالب بانهاء المحاصصة , إذ أعطت هذه الوثيقة في أحد بنودها الحق لهذه القيادات ترشيح أشخاص من قبلها للحقائب الوزاية .

ان الواجب الذي وضعه الدستور على عاتقكم في السهر على ضمان الإلتزام به يحتم عليكم أن تكونوا الى جانب أبناء الشعب لكي تتعرفوا عن قرب الى مشاعرهم ومطالبهم المشروعة العادلة . من حقكم وأنتم تؤدون دوركم القيادي ان تلتقوا بقادة الكتل السياسية إلا ان هؤلاء ليسوا بالضرورة وحدهم المعبرون عن نبض الشارع وما يعانيه المواطن العراقي لأنهم وللأسف لم يتراجعوا عن مواقفهم في دعم المحاصصة الطائفية والإثنية التي أضرت بالعراق وبأهله .

نأمل أن تتقبلوا ما جاء في هذه الرسالة بصدر رحب

مع تقديرنا واحترامنا

 

أ.د.علي كاظم الرفيعي

رئيس التحالف المدني الديمقراطي

آيار 2016 م